تنهد الفرغل وكأنه ينفض من على جسده تراب الالم والحزن , وقال لم أتحدث معك من قبل عن الحب يا محبوب وكنت أعلم أنه سوف يأتي الوقت المناسب . فان زيارتك لي الان يا محبوب هي أبلغ دليل عندي على حبك لي . ولهذا سوف أخبرك بما قاله الحب لسيدنا أدم عندما هبط الى الارض ؟
فهل سمعت عن هذه المحادثة من قبل ؟
- وهو ترتسم على وجهه علامات الاستفهام قال : الحب يتكلم مع سيدنا أدم عليه السلام ؟ لا لم أسمع عن هذا من قبل .!!
- رد الفرغل وقال
- قال الحب لأدم عليه السلام ..
أنا الحب , أنا دائماً معك , أنا لا أغيب , أنت من يغيب . وعندما تستفيق ستبحث وتلقاني دائماً بين قلوب العاشقين والاحبه , سوف تلقاني بين ضلوع عابد متضرع . سوف تلقاني كقطرة دمع على خَدُّ أُمًّ مبتهجة بعودة طفلها الضائع . سوف تلقاني عندما تتوقف عن لعب دور الاستاذ المُسيطر .
سوف تلقاني كلما رفعت حجاب الوهم وتواضعت . فأنا لا أغيب , وكيف أغيب ؟!!
فى اختفائى تختفي الشمس التي تعشق الارض واهلها . فأنا على الارض مثل الشمس في نورها وظلها .
في اختفائي تكثُر الفتن والخصام , تزداد اعداد المرعوبين . فى غيابي يُصلب الحق من السفهاء , فى غيابي يزداد الغباء , وتصبح سنين العمر هباءً فى هباء .
فكل دقيقة بدون الحب لا تُعتبر ذِكرَى . كيف تتذكر ؟ وماذا تتذكر حينها ؟؟
فالذكريات بدوني هى أصنام معيوبة , لا هي جميلة , ولا هي مفيدة .
هى موجودة كي تغذَّي الاكتئاب , كى تنشر القبيح والمذموم . أصناماً تصنعها بيديك , ومع مرور الزمن , تُسلم لها زمام أمرك . ذكريات بدون حب هى ذكريات عَفِنة .
فقم بتطهير عقلك من العفن تجدني . وقم بفعل الخيرات فان الخيرات تلدّني .كل الافكار بدوني هى اجساد بلا أرواح . وكل أفكار الحياة الدنيا هى فى العقل كالضيوف .
فلا تسمح لضيوف العقل بان يبقوا كثيراً. فأن بقائهم هو أشارة على أنك مسلوب الارادة .
وأما أن قررت الابقاء على بعض الضيوف , فلتكن واعياً بأختيارك فان الواقع والحياة هى نتيجة لافعالك , وأفعالك هى نتيجة لمشاعرك وأفكارك , وأفكارك أما من انتاجك أو من أنتاج الاخرين . فان كان لزاماً عليك أن تستعير بعض الافكار فلا تختار الا الافكار المضيئة , الافكار العلوية , الافكار التى هى ممزوجة بالحب .
فالافكار القذرة هى مثل الوباء المتطفل , الذى ينتشر بكل بجاحة ويتحكم فى مجريات الامور مع الوقت .
فلا تسمح لافكار قذرة بان تترثب فى وعيك , وطهر قلبك اولاً بأول , حتى اقوم أنا بتعميره ..
فالحق أقول لك يا أدم , لا يُبنى المسجد قبل معرفة القبلة , وبالمثل , لا قيمة لقُبلة بدون حب .
أقفل باب اللغة , وباب الفكر , وباب الظاهر الان وافتح نافذة الحب , نافذة الذكر , نافذة التأمل .
وكن فى حضرتي مستقياً .
أغلق عينيك الان وسوف تندهش من وجودي معك , ستشعر بوجودي بين أضلُعك , وفى صمتك ستجدني أسمعك .
أنا الحب , أنا دائماً معك , أنا لا أغيب , بل أنت من يغيب .
أغمض محبوب عينه وأستمر فى التنفس بهدوء , وكأنه يستنشق عبيرالحب الذى أمسى كفيض من الطاقات النورانية المنتشرة فى المكان . دام الصمت لبعض الوقت كالعادة , فان هناك بعض الجلسات وبعض الحالات التى لا يجد فيها الانسان قيمة للكلام .
- وأخيراً تكلم محبوب بصوت هادىء وهو ينظر الى الفرغل ثم قال هل هذا حدث فعلاً مع سيدنا أدم ؟
- أنتبه يا محبوب : فعقول الرجال لا تقف عند المثال , فان ما يدور بينى وبينك هى ليست معرفة عقلية , نقوم بتحليلها ومقارنتها وقياسها ونقدها ومقاومتها وضحدها , بل ما بيننا هى معرفة قلبية .
وأن للمعرفة القلبية اسلوب معين يجب ان تحترمه , فعندما يقع المعنى فى قلبك يجب أن تشكر الله على التوفيق وتشكر المتكلم على اجتهاده فى توصيل المعني . لابد أن تدرك أن ما يخرج من القلب يصل الى القلب ولهذا فأن لغة القلوب هى لغة مختلفة عن لغة العقل . لغة القلوب لا تحتاج دليل أو برهان , او استشهاد , فان كان ما يقال غير حقيقي وغير مفيد لن تشعر به فى قلبك هذا كل ما فى الامر . هل فهمت مقصدي ؟
من رواية #محبوب
#أشرف_البوني
